كتبت الإعلامية اليمنية خنساء السهيلي
رحلة رمزي لم تكن مجرد وسيلة لنقل الركاب من مكان لآخر، بل كانت تجربة بحد ذاتها. فالأحاديث التي كانت تدور بين الركاب كانت تعكس تنوع الخلفيات والثقافات التي اجتمعت في هذا المركب، حيث كان بإمكانك سماع قصص من الشرق والغرب، ومناقشات عن آخر المستجدات في القرية والمدينة. رمزي بدوره، كان يشارك أحيانًا في هذه الأحاديث، مستخدمًا حس الفكاهة لديه ليخفف من أجواء الرحلة الطويلة، بل وكان يروي قصصًا من مغامراته السابقة على الطريق، مما أضفى شعورًا بالدفء والألفة بين الركاب. كل هذه الأمور جعلت من رحلة رمزي تجربة لا تُنسى، تستحق أكثر من مجرد ذكرى عابرة.
رمزي يعد رمزًا للكفاح ومثالًا يُحتذى به للشباب اليمني الطموح، حيث أصر على تجاوز كل العقبات التي واجهته في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها بلاده. لم تدفعه قسوة الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى الاستسلام، بل زادته إصرارًا على التميز والعمل بجد لتحقيق أهدافه. استطاع رمزي بمهارته العالية في القيادة أن ينال إعجاب وتقدير جمهوره، حيث تميز بحسن التعامل مع زبائنه ومراعاة رغباتهم واحتياجاتهم. ليس فقط كسائق بل كصديق يحمل مسؤولية الأرواح التي يركب معها، مما خلق له قاعدة واسعة من العملاء المخلصين. تعكس قصة رمزي التفاني والالتزام، مما يجعله قدوة للشباب في المثابرة والسعي نحو تحقيق النجاح بالرغم من كل التحديات المحيطة.
يتجلى في طبيعته مزيج من الأفعال المتناقضة، حيث يتردد بين الابتسام والضحك الصحي الممزوج بالتفكير العميق والتأمل الهادئ. عند شغله بهاتفه، فإن الخطوط العريضة في عالم الاتصالات تجده محلّقاً عاشقاً للعمل الذي يداخله خيط السرعة والاهتمام برسائل العمل المتعلقة بالجوازات. فور قفل الهاتف، تتسابق إليه الاتصالات من جميع الجهات، سواء من أصدقائه أو من المكاتب المتعاونة معه. ويتكرر اسم "خالد" في محادثاته، مما يعكس الرابط القوي والودّ الأصيل الذي يجمعه بخالد، حيث يبدو جليًا الخوف عليه والاهتمام البالغ بصحته ورفاهه. هنيئًا لهما بتلك الصداقة والحب في زمن باتت فيه العلاقات تحمل الكثير من الخبث والمصالح.
على طول الطريق، امتزجت أغاني الركاب بكل ألوان المشاعر، حيث كان السائق يستمع إلى أغاني السمة ومحب وأحلام بصبر وكأنها جزء من رحلته المعتادة. بدت سيمفونية الأغاني كأنها تخلق جوًا من الانسجام، لكن خلف تلك الواجهة المبهجة، كانت هناك توترات خفية تزداد حدتها. لم يكن مزاج السائق بأفضل حالاته، خاصة بعد عطل في الفيوزات، مما جعله يفكر لبضع لحظات في إلقاء الركاب من النافذة لكسر هذه الدورة من التوتر. عندما شعر رمزي بالدوران وكأن الأرض تهتز من تحته، امتنع عن الكلام، وتأمل كيف تحول مسار حياته إلى سلسلة من القرارات التي قادته إلى هذا الوضع المربك. في تلك اللحظات القصيرة، تمنى لو أن الزمن يعود به إلى حيث لم يتخذ خيار العمل في هذه الوظيفة، متسائلاً كيف يمكن لبضع أغاني أن تكون عاصفة تجلب مشاعر مختلطة وأحداث غير متوقعة.
غير أنه أخفى غضبه وألجمه لئلا يضايق أحد، كانت تعلو وجهه نظرة ثبات وتحمل، وكأن طبول الصبر تقرع في داخله. نظراته كانت أحيانًا حادة كشعاع الشمس، تشع منها شرارات الغضب التي يحاول كبحها، وظهر ذلك جليًا عندما وجه نظراته لأحد الركاب الذين أساؤوا التصرف معه. كان يعمل في ظل ظروف قاسية تعبق بالصعوبة والمشقة، حيث الحاجة للصبر والأناة تتطلب منه قوة خارقة. لم تفارقه مشدته، التي كانت تتجول على رأسه تارة وعلى عنقه تارة أخرى لتحميه من برد الصباح والمساء. جسد رمزي مثالًا حيًا لرجل قادر على الموازنة بين المسؤولية والصبر والقوة، مما يجعله نموذجًا مشرفًا للالتزام والإخلاص بأدواره اليومية. كان يصمد في مواجهة الصعوبات، جاعلاً من عمله رسالة وأمانة، متمسكًا بأخلاقيات المهنة رغم كل ما يعترض طريقه.