———————————————-
يَحُطُّ عَلى كَفِّ الْهَوى وَيَفرُّ
يَمامٌ عَلى الدّفْل العَتيقِ يَمُرُّ
هناكَ يَضِجُّ السَّحْرُ دونِ رَقابةٍ
وَيَحْرُسُ سِرْدابَ العَجائِب سِرُّ
فيا لَيْتَ أَنَّ الْمِسْك لامَسَ وَجْنَتي
وَما نُفِيَتْ بِالقَهْر بَعْدكَ عَشْرُ
تَحَرَّ طلوع الفجر قَبْلَ أَوانِهِ
فإنْ آلَسَ التَّوْقيتُ لَيْسَ يَضرُّ
وإن لم يعد ذاك المُجَنَّح مَرّة
بِعُهْدَة نوميديا فَعَنْهُ تَحَرّوا
فلا لا تُذِعْ سِرَّ الْقُنُوتِ وَطَرْسِهِ
إلى أنْ تَرى الرُّؤْيا وينْفذ أمْرُ
فَلَمْ يَبْقَ غَيْر الحَرْب كَيْفَ نَخُوضُها
وَأنْتَ يَدي اليُمْنى فَكَيْفَ نَمُرُّ
عَلَيْكَ بِمَنْ أَوْصى بِوَأْدِ فراشتي
وَمَنْ مِنْ نِداءات الشُّموسِ تَبَرّوا
تَشَتَّتَ في كُلِّ الأماكن زَنْبَقي
فَهَلْ يا هَوىً في رَاحَتيّ يقرُّ
إلامَ يظلّ الشِّيخ يَعْبَثُ بالنَّدى
وَيَحْبس هالات الزُّمُرُّد قعْرُ
تَتَبَّعْ غيابَ الشّمسِ حَوْلَ مَمالكي
وَعُدْ لي فَهذا يَوْمُ يَنْفَعُ صَبْرُ
———————————————-
تُعد قصيدة "آخر الملكات" للشاعرة ختام حمودة من الأعمال الشعرية البارزة التي تلفت الانتباه بجماليتها وغنى معانيها. تعتمد الشاعرة في هذه القصيدة على البحر الطويل، مما يضفي على الأبيات إيقاعًا موسيقيًا يبث الحياة في كل مقطع. تنتمي القصيدة إلى الأدب الرمزي الذي يُعرف بتوظيف الرموز الغامضة والمعاني العميقة، حيث يتسنى للقارئ الإبحار في عوالم متعددة الأفق والمعنى.
يلامس النص الشعري موضوعات متداخلة تقترب من الحياة الروحية والوجدانية، مستخدمًا لغة شعرية زاخرة بالصور والرموز لتعكس تجربة ذاتية غنية بالتأملات الفكرية والفلسفية. من خلال تراكيب نحوية متقنة وصور شعرية آسرة، تُبدع الشاعرة في استحضار مشاعر الإعجاب والتأمل العميق، مما يدعو لقراءة متأنية لاكتشاف الطبقات المتعددة للمعنى.
القصيدة ليست مجرد تعبير عن الذات الفردية للشاعرة، بل هي محاولة لإعادة صياغة الواقع الأدبي بأسلوب يقترب من التجريب، حيث تشارك في ذلك بتاريخ ممتد وسياق اجتماعي وثقافي يبرز أصالة الموروث الشعري العربي. إن دراسة هذه القصيدة توفر مدخلاً لفهم أعمق للعلاقة بين النص التقليدي والشعر الحديث، وتفاعل الجمهور مع الأعمال الشعرية الجديدة في تطور الأدب الراهن.
تعكس قصيدة "آخر الملكات" للشاعرة ختام حمودة غنى في الرموز الشعرية التي تربط بين الماضي والحاضر بأسلوبٍ ساحر. فعلى سبيل المثال، نجد في البيت حيث تقول:
"يَحُطُّ عَلى كَفِّ الْهَوى وَيَفرُّ
يَمامٌ عَلى الدّفْل العَتيقِ يَمُرُّ"
الرمز الأساسي هنا هو "اليمام" الذي يُلمّح إلى السلام والحرية لكنّه في نفس الوقت يهرب ولا يستقر، مشيرًا إلى الحالة النفسية للمتكلمة، تلك التي تشتاق إلى الحرية والسكينة دون أن تجدها. يضيف الرمز "الدفْل العَتيق" لمسة من الزمن الماضي، حيث يرمز "الدِّفْل" إلى الذاكرة والتاريخ، و"العتيق" يزيد من إحساس البقاء والخلود.
كما يتم توظيف رمز "السّحر" في:
"هناكَ يَضِجُّ السَّحْرُ دونِ رَقابةٍ
وَيَحْرُسُ سِرْدابَ العَجائِب سِرُّ"
حيث يُستخدم للدلالة على المجهول والأسرار المخفية، وكذلك لإبراز المفاجآت التي تحملها الحياة. تظهر معاني الغموض والانكشاف من خلال ارتباط السحر بـ"سرِّ العجائب"، حيث يكمن السحر في الأسرار والحقائق غير المعلنة.
تمثل الرموز في هذه السطور وحدة متكاملة تُعبر عن الصراع الداخلي بين الانكشاف والتحرر، وبين الذاكرة ومحاولة الانطلاق نحو أفق مختلف. كما أن تصوير الصراع بواسطة العناصر الطبيعية مثل "الشمس" و"الندى" في بقية الأبيات يعزز من قدرة الشاعرة على التعبير عن التجربة الإنسانية من خلال استخدام الرموز بذكاء وعمق، لتوصيل مشاعر الفقدان والتأمل إلى قراءها بشكلٍ محسوس.
التناص الأدبي وحضور السرد التاريخي في قصيدة "آخر الملكات" للشاعرة ختام حمودة يُعدُّ من أبرز العناصر التي تُميز هذه القصيدة عن غيرها. يُعدُّ التناص من الأدوات الأدبية الثرية التي تُوظِّفها الشاعرة بمهارة، وتستدعي بها نصوصًا وصورًا من تراث ثقافي وتاريخي عريق لتعزيز دلالات قصيدتها. يظهر التناص الأدبي بوضوح في عدة مواضع من القصيدة، حيث تستمد الشاعرة صورًا واستعارات من تاريخ الحضارات السابقة والأحداث التاريخية العتيقة، مما يُضفي على النص عمقًا دلاليًا واستمرارية في الزمن.
تستحضر القصيدة أصداء من تاريخ الحضارات مثل نوميديا التي تُرمز إليها في البيت القائل "وإن لم يعد ذاك المُجَنَّح مَرّة / بِعُهْدَة نوميديا فَعَنْهُ تَحَرّوا"، حيث يُحيل هذا البيت إلى موازيات تاريخية وثقافية ترتبط بالحضارة النوميدية في شمال إفريقيا، مُظهرة تلك الحقبة كلحظة محورية يُستدعى إليها في سياق النص الحالي. استخدام الشاعرة لهذه اللحظات التاريخية يعمق الشعور بالاستمرارية والحلم المستمر عبر العصور، وهو ما يتجلى في حضور السرد التاريخي ضمن حبكة القصيدة.
كما أن السرد التاريخي لا يقتصر فقط على العناصر الثقافية الكبيرة، بل يظهر أيضًا في تفاصيل دقيقة مثل "الشُّموسِ" و"الشِّيخ يَعْبَثُ بالنَّدى"، مما يجعل القارئ يستحضر أجواءً تاريخية حية وثقافات ماضية بأسلوب معاصر ودافئ. إن هذه التقنية في المزج بين الأبعاد الزمنية والتاريخية تجعل القصيدة تتجاوز حدود المكان والزمان، وتُوظِّف التناص لخلق حالة من التواصل المعرفي والثقافي العميق يُلهم القارئ ويجعله يعيش في عالم القصيدة كما لو كان جزءًا منه.
تتجلى الجماليات اللغوية في قصيدة "آخر الملكات" للشاعرة ختام حمودة بفضل استخدام الألفاظ المنتقاة بعناية، والتراكيب النحوية الرشيقة التي تضفي على النص بُعدًا جماليًا ودلاليًا عميقًا. تتناغم الألفاظ في سياقاتها لتعبر بصدق عن المشاعر والأفكار، مما يُظهر قوة اللغة العربية في التعبير عن التجارب الإنسانية.
تستخدم الشاعرة تراكيب نحوية تُبرز التفاعل بين العناصر، حيث نلاحظ في بداية الأبيات قولها: "يَحُطُّ عَلى كَفِّ الْهَوى وَيَفرُّ"، يحتوي هذا التعبير على فعلين متضادين (يَحُطُّ ويفرُّ) مما يعكس الحركة والتوتر النفسي، كما أن وجود "كَفِّ الْهَوى" كاستعارة يقوي الصورة الشعرية ويخلق إحساسًا بالمكان والزمان الممزوجين بالعاطفة.
تتجاوز الجماليات اللغوية في القصيدة الألفاظ لتصل إلى التراكيب، إذ نجد التركيب "يَمامٌ عَلى الدّفْل العَتيقِ يَمُرُّ"، حيث يُصور الفعل "يَمُرُّ" الحركة الذاتية للطائر مع الدفء الزمني الناتج عن وصف "العتيق"، مما يُعزّز من الشعور بالحنين والذكريات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تراكيب نحوية تحقق توازنًا صوتيًا وتجعل النص أكثر سلاسة، مثلما في قولها: "تَشَتَّتَ في كُلِّ الأماكن زَنْبَقي" حيث يأتي المبتدأ "تَشَتَّتَ" ليضفي لمسة حزن وافتراق على الكلمات التي تليه، مُعزّزًا من وقع الكلمة الأخيرة "زَنْبَقي" لتحمل دلالات رمزية عن الفقد والانفصال.
ويمكن ملاحظة الاستخدام المكثف للصور البلاغية، كالتشبيهات والاستعارات التي تغني النص وتمنحه الغنى الإحساسي والتعقيد الفني. هذه التقنيات اللغوية والنحوية مجتمعة تعطي القصيدة شخصيتها المميزة وتساهم في رسم معالم سحرها وجاذبيتها.
دراسة القصيدة "آخر الملكات" لخِتام حمودة تكشف عن جوانب روحية وصوفية عميقة تتجلى في تركيبها اللغوي والصوري. تعتمد القصيدة على تجربة صوفية تعكس البحث عن الذات ومعرفة أسرار الروح والعالم الخفي. الشاعرة تستخدم لغة مشحونة بالرمزية لتعبر عن حالة التحول والاتحاد الروحي الذي يتطلع له السالك. تظهَر هذه التجربة في التعبيرات التي تشير إلى أبعاد خفية ("يَحُطُّ عَلى كَفِّ الْهَوى وَيَفرُّ")، وتشير إلى رحلة الروح عبر الأجواء الصوفية، وكأنها تبحث عن ملاذ للراحة والسكينة.
من خلال التصاوير الشعرية، يتضح أن الشاعرة تستقي من التقاليد الصوفية العريقة، حيث تعبر عن الوصول إلى العرفان من خلال البعد عن المألوف والبحث عن الجوهري والعميق في التجربة الإنسانية ("فيا لَيْتَ أَنَّ الْمِسْك لامَسَ وَجْنَتي"). هذا الإحساس بالحنين والرغبة في الاتحاد والكشف الروحي يميز التجربة الصوفية الممزوجة بالحب الذي يَسمو عن الحدود الدنيوية.
التواصل مع المعاني الروحية يأتي عبر اللغة المجازية، التي تشير إلى رموز العرفان والصور الإيحائية، مثل "اليمام" و"السحر" و"سرِّ العجائب"، مما يعكس رحلة من التوحش إلى الإشراق. الشاعرة تنجح في صياغة رحلة روحية مجنحة تتحدى الزمن والمكان، حيث تعتبر محاولتها الولوج إلى عالم الحقيقة الصوفية محاولة لاكتشاف الذات والوجود.
العنصر الصوفي في هذه القصيدة لا يقتصر فقط على المفاهيم الروحية بل يمتد إلى الإحساس العميق بالانتظار والترقب للظهور الداخلي، كما يعبر عن الحاجة للمزيد من البحث والتأمل في النفس. هذا النوع من الصوفية يعتمد على الانسلاخ من العالم المرئي للوصول إلى الأعمق، حيث يظل التطلع نحو الفجر مثالا لهذا السعي المستمر نحو النور والكمال الروحي.
التأثير الأسلوبي للنص على القارئ في قصيدة "آخر الملكات" للشاعرة ختام حمودة يتجلى بوضوح من خلال استخدام اللغة الساحرة والتعبير الشعري الذي يمزج بين الأصالة والحداثة. اللغة المستخدمة في القصيدة غنية بالصور والتشبيهات والاستعارات التي تثير الخيال وتوقظ الحواس. من خلال البيت الأول "يَحُطُّ عَلى كَفِّ الْهَوى وَيَفرُّ"، يتوقع القارئ رحلة تأملية مفعمة بالتجارب الحسية والوجدانية.
الشاعرة تدمج في أسلوبها الفني عناوين دلالية وقوى سحرية تُحدث تأثيرًا عاطفيًا عميقًا. الكلمات والتراكيب اللغوية تعبر عن عوالم متخيلة تُدخِل القارئ في حالة من التأمل الروحي، كما أن الإيقاع الموسيقي المنساب في النص بالتوازي مع البحر الطويل يُضفي قوة إضافية على تأثيرها، مما يجعل القارئ يشعر بالانجذاب والانغماس في جو القصيدة.
من جهة أخرى، استخدام الألفاظ مثل "يَمامٌ عَلى الدّفْل العَتيقِ يَمُرُّ"، يخلق شعورًا بالحنين والتوق إلى الماضي، ويُبرز التناقضات بين الحاضر والعصور الماضية، مما يؤدي إلى إيقاظ مشاعر متباينة ومعقدة لدى القارئ. كما أن التراكيب القوية مثل "فلا لا تُذِعْ سِرَّ الْقُنُوتِ وَطَرْسِهِ" تثير التساؤلات وتشرع الأبواب أمام تأويلات متعددة، مما يعزز من عمق النص ويضفي على القراءة تجربة فكرية وروحية متميزة.
التناغم بين الأسلوب والتخيلات والمعاني في القصيدة هو ما يجعلها عملًا فنيًا فريدًا قادرًا على استقطاب القارئ في كل قراءة جديدة، حيث يجد كل قارئ في هذا النص ما يلامس مشاعره الخاصة ويثير اهتماماته الفكرية والروحية.
القصيدة "آخر الملكات" للشاعرة ختام حمودة تأخذ من البحر الطويل أرضية لإيقاعها اللحنِيّ، وهو من البحور الشعرية الخليلية التي تتسم بخصائص صوتية وإيقاعية تميزها عن غيرها من الأوزان. البحر الطويل يتألف من تفعيلات متكررة من المفاعلَتُنْ والمفاعلَتُنْ، مما يضفي على القصيدة إيقاعاً مهيباً وثرياً بالموسيقى الشعرية.
تكرّر التفعيلة بانتظام في السياق الشعري يخلق تدفقاً صوتياً مستمراً، حيث تتفاعل العقلية المستمعة مع هذا النسق الثابت، مما يمكّن القارئ من الانغماس في العالم الشعري للقصيدة. نجد تردّد التفعيلات يمنح القصيدة إيقاعاً طويلاً وصوتاً متنوعاً، يتيح للشاعرة التعبير عن كثافات شعورية مختلفة وتوجيه الفكر إلى مواضيع متنوعة من خلال تشكيل صوتي متنوع وجريء.
إضافة إلى ذلك، نجد في القصيدة استخدام الجناس الصوتي، من خلال كلمات مثل "يحط" و"يمر"، حيث تُكرر الأصوات وتنسجم مع الإيقاع الأساسي للبحر الطويل، مما يثري التجربة الصوتية للقارئ أو المستمع. تتوازن قوة الإيقاع مع نعومة المفردات المنتقاة بعناية، لتشكل سيمفونية لفظية حقيقية.
ويتجلّى تأثير البحر الطويل في تحقيق تجربة صوتية تفاعلية ومؤثرة، حيث تعمل التفعيلات الإيقاعية كحامل للأفكار والصور الشعرية. في هذه القصيدة، تتكامل هذه الخصائص الإيقاعية مع الرمزية والخيال لتُبرِز العمق الشعوري والدرامي للأفكار، مما يُمكّن الشاعرة من التواصل بشكل مباشر ومؤثر مع وجدان المتلقي.
تتميز أعمال ختام حمودة الشعرية بتأملات فلسفية واجتماعية عميقة تتجاوز الأسطح إلى عمق الفكر والوجدان. تتطرق الشاعرة إلى الإشكاليات الوجودية التي تواجه الإنسان في خضم الحياة المعاصرة. تعالج قصائدها قضايا تتعلق بالذات والهوية والبحث عن المعنى في عالم متغير لا يرحم. يستشعر القارئ في أعمالها حالة من الاغتراب والبحث المستمر عن تلك الصورة المثالية للكينونة التي قد تكون مغيبة أو مفقودة في خضم التناقضات التي يفرضها الواقع.
حوَّلت ختام حسها الثاقب إلى وسيلة لفك رموز الصراعات النفسية التي يعيشها الفرد، ملتقطًة بعيون الشاعرة الفذة تلك اللحظات العابرة التي تثير تساؤلات عميقة حول الغاية من الحياة والموت، والجوهر الإنساني في معناه الأكثر تجريدًا. تتناغم الكلمات مع إيقاع الفكر، حيث يتمدد الوجد ليحاكي القلق الإنساني ويستكشف حدوده.
تظهر الأبعاد الاجتماعية في أشعار ختام من خلال تصويرها للمظالم الاجتماعية والقيود الثقافية التي تكبل الإنسان وتحول دون تحقيق الذات. تبرز الشاعرة بشفافية واقع المرأة وكيفية تعاملها مع الضغوط المجتمعية، وتكشف القناع عن الخبايا التي يحتفظ بها المجتمع لنفسه في الظل، بعيدًا عن مرأى العيان. بسلاسة شعرية، تطرح ختام أسئلة بلا إجابات واضحة، مستحثة القارئ على التفكر والتأمل، مما يخلق حالة من التفاعل الحي بين النص والمتلقي.
تتسم أشعار ختام بالتشابك الدقيق بين الفلسفة والواقع الاجتماعي، مما يجعل من كل قصيدة تجربة فريدة تنبض بالحياة، وتفتح نوافذ جديدة لإدراك العالم وما وراءه، وهي بذلك لا تترك القارئ يمر من غير أن يحمل في عقله ووجدانه أثرًا دائمًا من تأملاتها العميقة.
في الختام، يظهر من تحليل قصيدة "آخر الملكات" أنها حملت في طياتها عمقًا ثقافيًا وسياقًا تاريخيًا غزيرًا، متجسدًا في الرموز الشعرية والتقنيات الأدبية المستخدمة. الشاعرة ختام حمودة استطاعت باستخدامها للرمز واللغة المتينة، أن تسلط الضوء على قضايا إنسانية ومفاهيم فلسفية تتعلق بالحرية والنضال والغربة. كان لكل بيت من أبيات القصيدة بصمته الخاصة في رسم لوحة متكاملة تتجاوز الجماليات الشعرية لتلامس الأصالة الحضارية.
تمكنت حمودة أيضًا من دمج التناص التاريخي بسلاسة مع مفرداتها الشعرية، مما أضاف للقصيدة غنى بتداخل الأزمنة والأحداث. كما أن الأساليب اللغوية والتراكيب النحوية التي أبدعت فيها وُظفت بذكاء لتضفي على النص بعدًا ميتافيزيقيًا يُعَبِّر عن التحولات الجوهرية في النفس البشرية.
من خلال قصيدة "آخر الملكات"، تؤكد الشاعرة على أهمية الحفظ على التراث الأدبي والهوية الثقافية، محققة بذلك عملًا أدبيًا يَفُوق كونه مجرد نص شعري؛ إنه شهادة أصيلة على قدرة الشعر على أن يكون جسرًا بين الماضي والحاضر، بين الخيال والواقع.