الباحث و المفكر فادي سيدو
1 قراءة دقيقة
16 Jun
16Jun

هذه أنا
———————————————-
قُبيل تحفيز الشعور للطيران نحو الشمس
لابُدَّ من جرعـةٍ روحيّة يُطاف فيها بأقداح الضوء
تلامسني الكلمات ، وتحرر حروف اسمي تباعاً
فأراني أرفرفُ خفيفةً على البحر المحيط
بأهداب غيمة
دوامات الغضب شِبه عروق العقيق ، وأمواج السيل
العاتية ماهي إلا زخرفةٌ على زجاج ..لا أعلمُ لماذا !!
ولكن (شلل) الخيوط المُـمعنة في تشابكها ، وتشوّش
لَياح عرائش الكروم التي يخنقُ بعضها بعضاً،
تبدو لي لعبة عقل مضطرب
يريد أن يَرشق مَهابتي بموجزٍ يُفضي أن كل ما في العالم أكثر تداخلاً واختلاطاً مما هو عليه في الواقع
هـذه أنـا
أبارك الليل بالتوهج ، وأتقفّى بكل خفةٍ آثار اشتعالاتي
والندبة المستلقية تحت جِلدي
أترك الأجراس تجرفني عندما أعبر بصوت الآه
كصرخة إيقاعٍ نادرة الصخب مع نهري الجارف
بوسعي أن أجمعَ أعماقيَ المتدفقة كقيثارة
تُهادن الأحلام قليلاً بقلب حمامةٍ تخطو باطمئنان
خطواتها العسراء ، بلا خوف ، فوق النفوس المشتركة
في صراعات صاخبة
وإذا ما لطّخ الدم جناحيها الأبيضين ؟
لا جَزَع ...
‏ما الدم إلا وهم ، وليست المعركة إلا وهماً !
‏هي أشيائيَ البسيطة تُنضِّد بعثرة العواصف داخلي
‏وتكسر حرَّ انبعاثها
‏تُرجعني من نفسي إلى نفسي كي أرتمي بظلِّ الحب
‏لاشيء سواه ..مَعقِل الـروح
‏أتذوَّق بهِ خُلوة الأيام في أروقتي
‏كممرّ ثابتٍ
باتجاه العالَم الآخـر
—————————-
بقلم  رولا أبو صعب

القصيدة النثرية "هـذه أنـا" للشاعرة رولا أبـو صعـب هي عمل أدبي يستحق الوقوف عنده لتأمله وتحليله بكل تفاصيله ورموزه. القصيدة تكشف عن عوالم داخلية تضج بالصراعات العاطفية والأحلام المتناقضة. إذ تحمل بين أبياتها رموزًا عميقة تجسد رؤى فلسفية معقدة عن الوجود والمعاناة والخلاص.
في كل كلمة، نستطيع ملاحظة التناقض بين الأمل واليأس، وبين الحياة والموت. الشاعرة تستخدم لغة غنية بالإيحاءات والتشبيهات التي تنقل القارئ إلى عالمها الخاص، حيث يتداخل الواقع مع الخيال، والتجربة الشخصية مع التجربة الإنسانية العامة. هذا التداخل يمنح القصيدة بعداً عالمياً، يجعل منها مرآة تعكس مشاعر الإنسان في كل زمان ومكان.
من خلال تحليل هذه القصيدة، يمكننا اكتشاف العديد من الطبقات المعنوية التي تتجاوز المعنى الظاهري. فمثلاً، قد تعبر بعض الرموز عن التحديات التي تواجهها المرأة في مجتمعها، بينما تشير رموز أخرى إلى البحث عن الحرية والتحرر من القيود المجتمعية والنفسية. هذا العمق الرمزي يجعل من "هـذه أنـا" نصاً مفتوحاً على التأويلات، مما يزيد من قيمته الأدبية ويعزز من تأثيره على القارئ.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب التراكيب اللغوية دوراً مهماً في بناء الجو العام للقصيدة. استخدام الشاعرة للجمل القصيرة والمتقطعة يعكس الحالة النفسية المضطربة التي تعيشها الشخصية الشعرية، بينما تساهم الصور البلاغية في تعزيز الشعور بالاحتدام الداخلي والصراع المستمر.
في المجمل، يمكن القول إن قصيدة "هـذه أنـا" هي أكثر من مجرد نص أدبي؛ إنها رحلة استكشاف ذاتي وتأمل في كنه الوجود. رولا أبو صعب تمكنت من خلق عمل أدبي يلهم القارئ ويدفعه للتفكير العميق، مما يجعل من قصيدتها علامة فارقة في الأدب النثري العربي المعاصر.
رولا أبو صعب لم تكتفِ بكتابة أبيات تتراقص على الأسطر، بل أضافت لها طابعاً نفسياً وروحياً يتداخل مع الرموز البصرية كـ "الضوء والليل" لتخلق بذلك تجربة فريدة للقارئ. القصيدة لامست مفاهيم الوجود والوهم والحقيقة بعبارات مترفة باللغة، مما يجعل القارئ يغوص عميقا في أعماق الذات البشرية من خلال تراكيبها الفريدة وصورها الشعرية المدهشة.
"هـذه أنـا" ليست مجرد قصيدة نثرية، بل هي رحلة تتنقل بين الظل والنور، وتثير التفكير حول المعاني الأعمق للحياة والضمير. من خلال تحفيز الشعور للطيران نحو الشمس، تأخذنا القصيدة في دوامات من التأمل والتساؤل، وتقدم لنا رؤية متعمقة للوجود البشري كما تراه رولا أبو صعب.
يمكنك أيضًا تغيير العنوان المذكور أعلاه وإضافة مقالات مدونة جديدة أيضًا.
قم بتحرير مقالات المدونة الخاصة بك من علامة التبويب "الصفحات" بالنقر فوق الزر "تحرير".


تفسير الرمزية في القصيدة النثرية: الضوء والليل
———————————————-

تفسير الرمزية في القصيدة النثرية "هذه أنا" للشاعرة رولا أبو صعب يبرز من خلال استخدام الشاعرة لعناصر الضوء والليل بطرق تعبيرية تعكس عمق المفاهيم الوجودية والروحية. الضوء في القصيدة يُستخدم كرمز للمعرفة والاستبصار والتحرر الروحاني. تُشير الجملة "لابُدَّ من جرعـةٍ روحيّة يُطاف فيها بأقداح الضوء" إلى الحاجة إلى إشراق داخلي يمكن أن يكون مصدر إلهام وقوة معنوية، كأنما الضوء يصبح الشرارة التي تُحفز الشاعرة على الاستمرار والبحث العميق داخل نفسها.
من جهة أخرى، يُستَخدم الليل في القصيدة كرمز للغموض والتأمل والصراع الداخلي. تعبير "أرتمي في حضن الليل، أبحث عني" يعكس اللحظات التي تتوحد فيها الشاعرة مع الظلام، ليس فقط كحالة فيزيائية، بل كحالة نفسية حيث تُعبر عن البحث المستمر عن الذات واكتشاف الأبعاد الخفية لشخصيتها. الليل هنا ليس مجرد غياب للضوء، بل هو فضاء مفتوح للتفكير العميق وإعادة التقييم.
يتجلى الصراع بين الضوء والليل في هذه القصيدة كصراع بين المعرفة والجهل، الوضوح والغموض، الاستبصار والضياع. هذا الصراع الداخلي يعكس رحلة الشاعرة في سعيها لتحقيق السلام الداخلي والانسجام مع الذات. استخدام الشاعرة لهذه الرموز بفعالية يجعل القصيدة تجربة تأملية تتجاوز الكلمات لتصل إلى أعماق الروح البشرية.
الليل، في هذا السياق، يتخذ شكلاً رمزيًا بديعًا يعكس العمق النفسي والتحديات الداخلية التي تواجهها الشاعرة. بينما قد يبدو الليل في الظاهر وقتًا للراحة والنوم، إلا أنه يتحول في القصيدة إلى مسرح للأحاسيس والأفكار المتضاربة. من خلال عبارة "أبارك الليل بالتوهج"، تكشف الشاعرة عن قدرتها على استغلال هذا الظلام كفرصة للتأمل والإبداع، وكأنه لوحة فارغة تنتظر ضربات فرشاتها الفنية.
الليل هنا ليس مجرد غياب للضوء، بل هو حضور مكثف للذات، حيث تتجلى فيه المشاعر والتجارب التي تختبئ خلال النهار. يمكن أن نرى الليل كمرآة تعكس أعماق النفس البشرية، وتسلط الضوء على ما هو مخفي ومجهول. إنه وقت المواجهة مع الذات، حيث لا يوجد مكان للاختباء من الأفكار والهموم.
بهذا المعنى، يصبح الليل رمزًا للصعوبات والتحديات التي نواجهها في حياتنا اليومية، تلك اللحظات التي نشعر فيها بالعزلة والوحدة. لكنه أيضًا يمثل الأمل والإمكانية، حيث يمكننا تحويل هذه اللحظات إلى فرص للنمو والتطور. إنه دعوة لاكتشاف الجوانب الغامضة من أنفسنا والعمل على فهمها وتقبلها.
في النهاية، الليل في الشعر ليس مجرد حالة زمنية، بل هو فضاء تفاعلي يحتضن التوترات الروحية والصراعات النفسية، ويوفر لنا فرصة للتأمل والإبداع. بهذه الطريقة، يمكن أن نجد في الظلام مصدرًا للإلهام والقوة، مما يعزز من قدرتنا على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص للنمو والإبداع.
بين الضوء والليل، تجد الشاعرة توازنًا وتحاول أن تجد طريقها "كصرخة إيقاعٍ نادرة الصخب". الضوء إذًا لا ينير فقط بل يدعوها للتحليق والنظر نحو آفاق جديدة، بينما الليل يحيطها بغموض ويمنحها العمق الذي يُعزز إحساسها بإنسانيتها وصراعاتها الكامنة. في هذا المشهد المزدوج من التناقض والتناغم، تجد الشاعرة مصدر إلهامها. الضوء يمنحها الأمل والإبداع، يدفعها لاستكشاف إمكانيات جديدة ويشعل في قلبها شعلة المعرفة والرغبة في التعبير. على الجانب الآخر، الليل يحمل في طياته أسرارًا ودروسًا خفية، يدعوها للتأمل والغوص في أعماق ذاتها، لاكتشاف جوانب من روحها لم تكن تعلم بوجودها.
تتجلى القصائد كمرآة تعكس هذا التوازن الرقيق بين النور والظلام، حيث تلتقي الكلمات في نقطة توازن دقيقة. هذا التوازن بين السطوع والظلال يصبح جزءًا من هوية الشاعرة، يُغذي إبداعها ويجعل من كل بيت شعري لوحةً فنية تعبّر عن رحلتها الداخلية. الضوء والليل، كلاهما يساهمان في تشكيل رؤيتها للعالم، ليصبحا جزءًا لا يتجزأ من قصائدها، ينبضان بالحياة والمعاني العميقة.
الرمزية في استخدام الضوء والليل تبدو تجسيدًا لشخصية تمزج بين الأمل والشك، بين النور الذي يُحرر والخوف الذي يُثقل. إضافة إلى ذلك، تتداخل مفاهيم الضوء والليل مع بعضها في اللوحة الشعرية لرولا أبو صعب، مما يعكس تداخل الأفكار والمشاعر في النفس البشرية؛ إذ أن الليل ليس محض ظلام والضوء ليس محض وضوح، بل كلاهما يحملان في طياتهما تعقيدات الحياة.
———————————————-

التحليل النفسي للقصيدة: الأنفاس الداخلية والصراعات العاطفية
———————————————-

في قصيدة "هـذه أنـا"، تعكس الشاعرة رولا أبو صعب بوضوح الأنفاس الداخلية والصراعات العاطفية من خلال تعبير شعري مرن يتناغم مع التحليل النفسي. النص يبرز تلك الأنفاس المتضاربة التي تجسد شعورًا عميقًا بالاكتشاف الذاتي والفهم المتكرر للذات.
الكلمات "لابُدَّ من جرعـةٍ روحيّة يُطاف فيها بأقداح الضوء" تأتي لتكشف عن الحاجة الروحية للتجدد وإحياء الذات. تبدو الشاعرة هنا وكأنها تستخدم الصور الشعرية كأدوات لفهم مشاعرها المتناقضة وتجاربها الداخلية. هذه الجرعة الروحية تُعاد تعريفها عبر سفر شعري ضمن النفس الإنسانية، حيث تبدو قوة الضوء كمحفّز للتغلغل في أعماق العاطفة.
وعلى نفس المنوال، يمكن ملاحظة تكرار الصور والمفردات التي تُعبّر عن الحاجة إلى النور والتجدد في أماكن أخرى من القصيدة. مثل هذه الصور تساهم في بناء جو عام من التأمل والتجديد الروحي، مما يُعزز من فهم القارئ لعمق الصراعات الداخلية التي تعيشها الشاعرة. من خلال هذه الأدوات الشعرية، تظهر رولا أبو صعب قدرتها الفائقة على نقل مشاعرها وتجاربها بطريقة تجعل القارئ يتفاعل معها بعمق ويفهم تعقيدات النفس البشرية.
"تلامسني الكلمات، وتحرر حروف اسمي تباعاً" تكشف عن قوة الكتابة والتعبير في إطلاق الشعور الداخلي المكبوت. الشاعرة تستخدم الكلمات كوسيلة لتحطيم قيود الصراعات العاطفية وفتح نوافذ جديدة للتفاهم الذاتي.
من خلال هذا التعبير الأدبي، نجد أن الكلمات ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أداة قوية للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر التي قد تكون صعبة الوصف بطرق أخرى. الكتابة تمنح الفرد القدرة على استكشاف أعماق ذاته، والغوص في خبايا روحه، مما يتيح له فهمًا أعمق لنفسه وللعالم من حوله.
كما أن الكتابة تُعتبر نوعًا من التحرر النفسي، حيث تسمح للأفراد بالتخلص من الأعباء النفسية والعاطفية. الكلمات يمكن أن تكون جسرًا يصل بين العقل والقلب، بين الفرد والآخرين، وبين الحاضر والماضي. وعندما يتمكن الشخص من التعبير عن نفسه بحرية ودون قيود، فإنه يحقق نوعًا من السلام الداخلي والرضا الذاتي.
"دوامات الغضب شِبه عروق العقيق، وأمواج السيل العاتية" تعكس الصراعات العاطفية والتناقضات الجياشة داخل النفس. هنا، الغضب والهيجان العاطفي يُمكن رؤيتهما كجزء من عملية التصالح النفسي والفهم الأعمق للشعور الداخلي، وكأن الأمواج والعروق تُعيد صياغة الأنماط النفسية المكبوتة بشفافية العقيق.
في هذه الصورة المجازية، يمكن اعتبار الغضب والعواطف المتموجة كأدوات لفهم الذات بشكل أفضل. فكما أن العقيق يتشكل تحت ضغط وحرارة هائلة، فإن النفس البشرية تتشكل وتتكيف من خلال تجارب الحياة الصعبة والعواطف القوية. هذه العمليات ليست مجرد انفجارات عاطفية، بل هي فرص للتطور والنمو الشخصي.
عندما نتعامل مع الغضب والتوتر بوعي، نفتح المجال لفهم أعمق للمشاعر المخبأة بداخلنا. مثلما تتشكل العروق الجميلة داخل العقيق بمرور الزمن، تتشكل شخصياتنا وتتعزز من خلال معالجة تلك المشاعر بطرق بناءة. في النهاية، يمكن لهذه العواطف أن تكون مصدرًا للقوة والجمال الداخلي، مما يعزز من فهمنا لأنفسنا وللعالم من حولنا.
"هي أشيائيَ البسيطة تُنضِّد بعثرة العواصف داخلي" تبرز الصراعات كجزء لا يتجزأ من الحياة اليومية والتفاصيل البسيطة التي تعيد ترتيب الفوضى الداخلية. تبرز هذه الطواحين النفسية كوسيلة لاستعادة التوازن والاتجاه نحو الحب والسلام الداخلي.
في خضم هذه الصراعات، نجد أنفسنا نبحث عن تلك الأشياء الصغيرة التي تمنحنا الراحة والطمأنينة. ربما تكون فنجان قهوة في صباح هادئ، أو كتاب مفضل يعيدنا إلى عالم مليء بالخيال، أو حتى لحظات قصيرة من التأمل والتنفس العميق. هذه الأشياء البسيطة تعمل كمرساة تُمكّننا من الثبات، وتمنحنا القوة لمواجهة التحديات اليومية.
إعادة ترتيب الفوضى الداخلية لا تحتاج إلى خطوات معقدة؛ بل يكفي أن نخصص وقتًا لأنفسنا، نستمع فيه إلى احتياجاتنا الحقيقية ونسمح لأنفسنا بأن نكون موجودين في اللحظة الراهنة. عندما نعتني بهذه التفاصيل الصغيرة، نجد أن السلام الداخلي والحب الذاتي يأتيان تلقائيًا، مما يساعدنا على المضي قدمًا بثقة وحيوية.
"ما الدم إلا وهم، وليست المعركة إلا وهماً" تظهر محاولة الشاعرة لتجاوز المظاهر والاحتدامات السطحية، والتركيز على العمق الروحي. الدم والمعارك تصبح مجرد تجليات وهمية لصراعات أعمق وأكثر جوهرية. في هذا السياق، تسعى الشاعرة إلى استكشاف الجوانب الروحية والداخلية للإنسان، حيث تصبح القيم والمعاني الحقيقية مخفية وراء ستار من الأوهام والمظاهر الزائفة.
من خلال هذا النهج، تقدم الشاعرة نقداً للمجتمعات التي تركز على المظاهر الخارجية والصراعات المادية، متجاهلة القضايا الروحية والنفسية التي تشكل جوهر الوجود الإنساني. هذه الرؤية الفلسفية تدعو إلى التأمل في المعاني العميقة للحياة، والتفكير في كيفية تجاوز الصراعات السطحية للوصول إلى السلام الداخلي والفهم الحقيقي للنفس.
بالتالي، يمكن أن نرى في هذه القصيدة دعوة للتغيير والتحول، للبحث عن الحقيقة في أعمق أعماق الروح بعيداً عن الأوهام التي تخلقها المعارك الدنيوية.
"أترك الأجراس تجرفني عندما أعبر بصوت الآه" تلخص التنازع الداخلي بالصوت الوحيد الذي يحمل الصراع والأمل معاً. يمثّل الصدى العاطفي هنا انفجاراً للنفس وتحريراً لطاقة الكبت العاطفي باتجاه تحقيق الهدوء والتوازن الداخلي.
في هذا السياق، يمكن أن نرى أن الصوت يعبر عن أكثر من مجرد تعبير فني، بل هو وسيلة للتواصل مع أعمق مشاعرنا وأفكارنا. بينما تعبر "الآه" عن الألم والمعاناة، فإنها تحمل أيضاً بذور الشفاء والتجديد. الصوت هنا يصبح جسراً بين العواطف المكبوتة والفهم والإدراك، مما يسمح للإنسان بالتحرر من القيود النفسية والانطلاق نحو حالة من الصفاء الداخلي.
هذا التحرير العاطفي ليس مجرد تجربة فردية، بل يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على الأشخاص المحيطين بنا، حيث يصبحون جزءاً من هذه الرحلة نحو الشفاء والتوازن. الصوت يصبح أداة للتواصل والمشاركة، مما يعزز الروابط الإنسانية ويعمق الفهم المتبادل.
في المجمل، يمكن أن نرى أن الصوت، بكل ما يحمله من معانٍ وتعبيرات، هو أكثر من مجرد موجات تنتقل عبر الهواء. إنه تجربة عاطفية وروحية تساهم في نمو الإنسان وتطوره على مستويات متعددة.
———————————————-

تأملات فلسفية في مفهوم الوهم والحقيقة في (هـذه أنـا)
———————————————-

عبر القصيدة النثرية "هـذه أنـا"، تغوص الشاعرة رولا أبو صعب في تأملات فلسفية عميقة تُناقش مفهوم الوهم والحقيقة بكلمات مُتقَنة بعناية وتعبيرات مُبهَرة، تستكشف فيها حقيقة الوجود من خلال مزجها بين العناصر الماديّة والروحيّة، والـماديّ والمجازيّ. يُلمَح هذا التلاقي بوضوح في مقطع "تُهادن الأحلام قليلاً بقلب حمامةٍ تخطو باطمئنان خطواتها العسراء، بلا خوف، فوق النفوس المشتركة في صراعات صاخبة". هنا، تبيّن الشاعرة كيف يمكن للأحلام وأوهامها أن تكون مطمئنة وتمنح السكينة في عالم مليء بالصراعات.
كما أن القصيدة تفتح أبوابًا جديدة للتفكير في كيفية تفاعل الإنسان مع الأوهام التي يصنعها بنفسه، وكيف يمكن لتلك الأوهام أن تكون قوى دافعة نحو تحقيق الذات. في مقطع آخر، تقول الشاعرة: "تسافر الروح إلى عوالم مجهولة، حيث لا حدود للفكر ولا قيود على الخيال"، مما يعكس الرغبة العميقة في التحرر والانطلاق بعيدًا عن قيود الواقع الملموس.
القصيدة أيضًا تُلقي الضوء على العلاقة بين المعاناة والأمل، وكيف يمكن للحظات التجلي الروحي أن تكون مصدرًا للقوة في أوقات الضعف. في وصفها للحظات التأمل، تكتب رولا أبو صعب: "تنساب الأوقات كالماء، تحمل معها أثقال الهموم وتترك وراءها أثرًا من نور"، مما يبرز القدرة على التحول والتطور الذاتي من خلال مواجهة التحديات.
بالإضافة إلى ذلك، تستعرض القصيدة فكرة الاتصال الروحي بين البشر والطبيعة، وتُظهر كيف يمكن لهذا الاتصال أن يكون مصدرًا للراحة والسكينة. في أحد المقاطع، تقول الشاعرة: "تتراقص الأوراق مع نسيم الصباح، تهمس بأسرار الكون لأولئك الذين يصغون"، مما يعزز فكرة أن فهم الطبيعة يمكن أن يفتح أمام الإنسان آفاقًا جديدة للفهم الروحي.
بالمطلق، يمكن القول أن "هـذه أنـا" هي دعوة للتأمل العميق في الذات والكون، وللبحث عن الحقيقة في أماكن غير متوقعة، وللتصالح مع الأوهام كجزء من التجربة الإنسانية الشاملة. إنها قصيدة تعكس بعمق تعقيدات النفس البشرية وتقدم رؤية شاملة لكيفية التفاعل مع العالم من منظور فلسفي وروحي.
ثمّة تنبّه ملموس لهشاشة الحدود بين الوهم والحقيقة عندما تقول: "اذا ما لطّخ الدم جناحيها الأبيضين؟ لا جَزَع ... ما الدم إلا وهم، وليست المعركة إلا وهماً!". هذا التعبير يُبرز الاعتراف بأن الكثير مما نعتبره حقيقة مُطلقة قد يكون مجرد وهم، وأن المعارك التي نخوضها في الحياة قد تكون أيضًا مجرد تجسيدات لأوهام نُـخلِّقها بأنفسنا. إن التحول بين الوهم والحقيقة هنا يُظهر النقطة التي تُدرِك عندها الإنسان بأن الواقع ما هو إلا تركيبة من معتقداته وتصوراته الذاتية.
يُمكن اعتبار هذا الانتقال بين الوهم والحقيقة تأملاً عميقًا في طبيعة الإدراك البشري. فحينما يُدرك الإنسان أن الكثير مما يظنه يقينًا قد يكون مجرد تصورات وأوهام، يبدأ في تحدي أفكاره وقناعاته السابقة. هذا الوعي يُمكّنه من رؤية العالم بشكل مختلف، حيث تذوب الحدود بين ما هو واقعي وما هو متخيل.
بالإضافة إلى ذلك، عندما تتداخل الحقيقة مع الوهم، يصبح من الضروري إعادة تقييم ما نعتبره أساسيات في حياتنا. قد تكون هذه العملية مؤلمة، لكنها تفتح آفاقًا جديدة للفهم والنمو الشخصي. إنها دعوة للتفكر في كيفية بناء واقعنا وكيفية تأثير معتقداتنا على رؤيتنا للعالم من حولنا.
أكيد، هذا التداخل بين الحقيقة والوهم يُعزز فكرة أن الإدراك البشري ليس ثابتًا، بل هو متغير وقابل للتطور. هذا الفهم يُمكّن الإنسان من التحرر من قيود الأفكار الجامدة ويمنحه المرونة في التعامل مع التحديات والفرص التي يواجهها في حياته.
تتجلّى فلسفة هذه القصيدة في التأمل العميق في "الأشيائيَ البسيطة تُنضِّد بعثرة العواصف داخلي وتكسر حرَّ انبعاثها". هنا تُظهر الشاعرة كيف يمكن للأشياء البسيطة واليومية أن تحمل في طياتها معانٍ عميقة، وتعيد ترتيب الفوضى الداخليّة التي تنتج عن العواصف الوجودية. وتُرَكّز على العودة إلى الذات الأصيلة: "تُرجعني من نفسي إلى نفسي كي أرتمي بظلِّ الحب". الحب هنا ليس مجرد شعور، وإنما ملاذٌ ومعقل للروح، يتمثل في فلسفة رولا أبو صعب كحقيقة مطلقة تتجاوز كافة الأوهام السطحية للعالم الخارجي.
تؤكد القصيدة على النزعة الإنسانية للبحث عن معانٍ أعمق تجد ملاذها في الحب والسكينة الداخلية، حيث تعرض لنا كيف أن حواراتنا مع ذواتنا قد تكون أكثر صدقًا وحقيقة من التصورات الخارجية التي غالبا ما تتشابك مع أوهامنا. بهذا، يمكن اعتبار "هذه أنا" ليس مجرد نص شعري، وإنما رحلة فلسفية تستنطق وجود الإنسان في العالم.
إن القصيدة تأخذ القارئ في رحلة تأملية عميقة، تنتقل بين الأفكار والمشاعر، لتكشف عن تعقيدات النفس البشرية. فهي تدعونا للتفكر في الأسئلة الوجودية، مثل من نكون؟ وما هي الحقيقة؟ وكيف يمكننا العثور على السلام الداخلي في عالم مليء بالفوضى والتشتت؟
تُظهر القصيدة أهمية الحب كعنصر أساسي في تحقيق السكينة الداخلية. الحب هنا ليس فقط تجاه الآخرين، بل حب الذات وفهمها وقبولها. إن هذا النوع من الحب يمكن أن يكون مفتاحًا لفهم أعمق لوجودنا وللعيش بسلام مع أنفسنا ومع العالم من حولنا.
كما تسلط القصيدة الضوء على أهمية الحوار الداخلي، الذي قد يكون في كثير من الأحيان أكثر وضوحًا وصدقًا من الحوارات الخارجية. هذا الحوار يمكن أن يكشف عن أعمق مخاوفنا ورغباتنا، ويمكن أن يقودنا إلى الحقيقة التي نبحث عنها.
في النهاية، "هذه أنا" هي أكثر من مجرد قصيدة؛ إنها دعوة للتفكر والتأمل، وللبحث عن الحقيقة والسلام الداخلي من خلال الحب والفهم العميق للنفس.
———————————————-

في الختام، تتجلى في القصيدة النثرية "هذه أنا" للشاعرة رولا أبو صعب عمق المشاعر الإنسانية وتأملاتها العميقة حول الوجود والحقيقة. إنها ليست مجرد نص شعري، بل هي تجربة نفسية ورحلة فلسفية تتخطى حدود اللغة والتعبير لتلامس جوهر الروح. عبر الرمزية والتعابير المجازية، استطاعت الشاعرة أن تعبر عن تعقيدات النفس البشرية وتداخلات العواطف بشكلٍ إبداعي يثير التفكير.
تشكل "هذه أنا" لوحةً موجة بالألوان العاطفية والرمزيّة التي تشكل عالماً شعرياً يتسم بالغموض والوضوح في آن واحد. اللاشعور والصراعات الداخلية تلتقي هنا لتبرز مفهوم الوهم والحقيقة بصورةٍ تتحدى الواقع وتنفتح على فضاءات جديدة من التأمل. ولعل أكثر ما يُميز هذه القصيدة هو تلك الجرعة الروحية والنفسية التي تقدمها، حيث تجعل القارئ يغوص في أعماق ذاته، محاولاً استكشاف الحقيقة وسط الكيمياء المتداخلة بين الضوء والليل، الوهم والحقيقة، الحلم والواقع.
بهذا العمل، تثبت رولا أبو صعب قدرتها العالية على اللعب بالكلمات وصياغتها بطريقة تجعلك تشعر وكأنك تمشي بين عوالم مختلفة، تتأرجح بين الحزن والجمال، بين الألم والأمل. "هذه أنا" ليست مجرد قصيدة، بل هي حكاية كل نفس تبحث عن الحقيقة وسط عالم مليء بالأوهام.
———————————————-
بقلم فادي سيدو

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.